٢٧ مُحرَّم ١٤٤٣هـِ
نشأت في بيتنا عادة السؤال عن الجريدة يوميًا، ولم أكن لأتخيل أن ينشأ مستقبلي بأكمله بناءً عليها!
فلطالما اعتادت عيني على أكوامٍ الصحف والمجلات المتراكمة في زوايا البيت المتفرقة... كل ذكريات حياتي مبنية على وجودها، حتى أننا لولاها لما وجدنا حديثًا يجمعنا كعائلة.
كان وقت الظهيرة يحل ويأتي إخوتي تترًا يتسابقون على قراءة الجريدة أولًا بالسؤال عن قدومها صباحًا قبل الخروج للمدرسة لتتم تخبئتها ونيل شرف "حرق" أخبارها على مائدة الغداء، غالبًا ما كانت أختي شهد تنال هذا السبق، لتترك تفاصيل الأحداث لوالدي الذي تقبل الهزيمة مبكرًا.
يدخل أخي عبدالله السباق أحيانًا إذا حالفه الحظ، متفردًا الاهتمام بالصفحة الرياضية، مع مشاركته القليل والبارز من أخبارها على المائدة ذاتها، مع مصدر الشغف ذاته -والدي-
وأعزي اهتمامي بصفحاتها المنوعة الأخرى لوالدتي التي كانت ترى فيها أُنسًا لولا اندثارها لما حازت أخبار التاسعة على ريحٍ منه... الوقت والمكان والطقوس كانت مهمة جدًا، بعد الثامنة مساءً على عتبة غرفة العائلة، المقص رفيقها الأعظم! صدقوني لم تتألم أي صحيفة من ممارسات والدتي الشنيعة! بل الفخر يعتليها أن احتفظت ببعض قصاصاتها -وما أكثرها!- والتي لازالت متمسكة ببعضها حتى اللحظة.
كان يتم توجيهي لقراءة صفحات ومقالات أو أخبار محددة يريان فيها ما يجب أن يحوز على اهتمامي، غالبًا ما كانت أمي توجهني لصفحات المنوعات لفيلم أو كتاب جديد، وأبي لصفحة الرأي حيث أعمدة الكتاب لأنهل من فِكرهم أو أتعلم من أساليبهم.
لا أخفيكم سرًا أن وضعي كان لا ينبئ بتخصصي فيها -الصحافة-، فكان وقت الغداء الذي هو "الخبر الرئيسي" لهم، مملًا لي!! يتحدثون عن أمورٍ لا أفهمها ولا ألقي لها بالًا! حتى أن توجيهاتهم غالبًا ما تنتهي باليأس مني، فلغتها كانت عصية على فهمي!
... انقطعت الصحف من بيتنا وكان الوضع أشبه بأزمة منتصف العمر في عهد العائلة، أنحيب؟ أم لحظة صمت وتكريم؟ ساد الصمت مائدة الغداء، وغاب صوت والدي إلى أن تخصصت فيها...
أبَّان الانقطاع... ضجج صوتها أيامي عبر أروقة الجامعة وفصولها… كانت شغلي الشاغل، يومي يبدأ بشرائها ويستمر بقراءتها وينتهي بحرصي على وجودها في حقيبتي... عِشت مع كتابها، وأرهقتني أخبارها، جرحني ورقها، وصبغ حبرها أناملي... لكنني بقيت مخلصةً لها وبقيت ترافقني...
عزيزتي صاحبة الجلالة... اشتقت لسلطتك.
- خَدِيْجَه سِنْدِي.
٢٨ مُحرَّم ١٤٤٣هـِ
الصمت…
بات رغبتي المُلِّحة.
أشعر بأني لفرط ما كتبت،
ولفرط ما تحدثت،
ولفرط ما عبَّرت…
نضبت!
لم أكن يومًا نهرًا…
ولا بحرًا ولا بئرًا…
ولا بحيرة!
كنتُ مُقلة العين…
كُنت شعورًا،
فائق الحِس…
حتى تبلَّد الحِس!
حتى ساد الجمود وجهي،
والخواء روحي…
وغاب الصوت…
وعمَّ الصمت.
- خَدِيْجَه سِنْدِي.
٣ صفر ١٤٤٣هـِ
أكنتُ الغريب دونِك؟
أم كانت الغربة غيابك؟
ليس الأُنس من ساد شعوري
بل مزيجُ الدهشة والصمت في بحورِك…
كانت عيناكِ أخَّاذةٌ لقلبي…
لم تطرف عيني عن عيناكِ لتبصر نورِك…
ذابلتانِ جدًا، مُرهقتانِ جدًا…
رقيقتانٍ كحد شعورك!
فيهما سرٌ استعصى عليَّ…
تبوحانِ في بُرهة وتسرحان دونِك…
بعيدان كل البعد عني…
وقلبي يود ليطمئن…
في كل حينٍ يزورك…
- خَدِيْجَه سِنْدِي.
٢٥ صفر ١٤٤٣هـِ
عن فقدان الرغبة، عن العجز، عن فقدان الأمل واستحالة الأحلام، عن الضياع والفراغ والخواء والضعف، عن الأسر، وفقدان الشغف، عن الألم والتعب والحزن، عن هدم الآمال وانخفاض سقف التوقعات... عن الصدمة، عن التغير، وعن فقد الهوية، وعن الأسى والصبر لحد البلادة، عن الاستياء وعدم تكرار المحاولة، عن التنازل عما نحب، عن القاع ورحلة الهاوية، عن السقوط: الدوي والصمت، عن عدم الاكتراث والبرود، عن الجهل والتجاهل وفقد العلوم والمهارة، عن فقدان القيمة وارتكاب الأخطاء، عن الفشل وقلة التجارب، عن الخبرات غير المتراكمة لفقدان الحرية في المضي قدمًا كيفما نريد، عن الوهم والأفكار الهدامة، وعن شعور السجين المكبَّل، عن ذهاب الجهود سُدًى، عن ضيق الأفق، عن الوحدة وغياب أرواح الأصدقاء، عن ضيق الأفق، واتساع رقعة اليأس، عن الجمود والخدر، عن فقدان الرغبة في الحياة، وغياب الأسباب... عن كل ما أشعر، لا أستطيع أن أكتب.
- خَدِيْجَه سِنْدِي.