(٣٦٠) يوم من الكتابة ١٤٣٨هـ

 ١ مُحرَّم ١٤٣٨هِـ 

تبددتِ الأفكار والكلمات والصياغات، وهربتْ مِن بين الأصابعِ وهجرتْ العقلَ طوقًا إلى الحريّةِ مِن سجنِ النفسِ المتقاعسة... فتحت المجهرِ، فراغٌ، لا أفكارَ ليكتب عنها ولا قضيّةٌ يُناضل لأجلها، وإنه لإثمٌ أن تُعطى موهبةً ولا تُنمّيها أو تُسخّرها، أن تُميتها وتستميتَ معها ظنًا منك أنك تكبدتَ العناءَ محاولًا.
ولا عجبَ! أن ينتهي المطافُ فارغًا وخاويًا كما أنتهى بالعديدِ الظانين مثلك، ولكن ...
الإستهلاليات كما البدايات عادةً ماتكون مفعمةً بالحماس ومليئةً بالأفكارِ أيًا كانت سواءً جريئة، ابداعيّة، تقليدية، أم غير ذلك، وكذلك تكون أيضًا محفوفةً بالمجهول، تلك أشبه بسُنَّةِ الله في الإنسان وفي الأمور، فحرّي بك تسخير شغف البدايات فيما يحب لتوقدَ الشعلة، وتنار غرفة العقل، وتزورُ الأفكار ما هجرت، وتأتي كل الأخرياتِ طواعيةً، ويرتقي الإنسانُ درجةً فدرجةً، ولنأملَ أن يكون رُقي الدنيا تبعًا لرُقي الآخرة.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٢ مُحرَّم ١٤٣٨هِـ 

الليالي التي نجافي فيها الأقلامَ والكلماتَ والكتابةَ عمومًا، هي ليالٍ تحملُ قلوبنا فيها ما يثقلُ على القلمِ الكتابةَ عنه، أو أسمى من أن يُكتب، ولربما نهربُ منهُ مخافةَ أن تنجلي أسرارُنا، وتُكْشَفَ مكنونات القلب، ولا تعودُ الكلماتُ عذراءًَ كما كانتْ، ويصيبُ الظن… بل سوء الظن معظمَ القرّاء، وندخلُ في دوامةٍ للشك لا يُعرف لها نهاية.
هي ليالٍ أسهد فيها القلب العقل وأشغلهُ عن الكتابة. 

 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢١ مُحرَّم ١٤٣٨هِـ 

إننا على كُلِّ حالٍ كيفما تغيّرنا لا نكون إلا نحن… مهما انطوينا في الحزن أو أعمتنا الأحقاد، مهما تداعينا النسيان وظلَّ الأمرُ مثبّتًا في عقولنا، ومهما بقت الأسرارُ تحت أكنافٍ من المشاعر... نبقى نحن، ولا نتغيّر إلا لنرتدي جديدنا الذي سيصبح قديمًا ونرتدي آخرًا عوضًا عنه.
تلافيًا لكل هذا... تقبّل ما أنتَ عليه، فمن وسط الخطايا والسيئات توجد أنتْ، وتأتي كل الخصال الحميدة تبعًا لك. 

 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٣ صَفر ١٤٣٨هِـ 

الكلماتُ التي لم تخرج منذ ولادتها لا يحقُ لها الحديثُ حين تَضْجَر أو تَنْفجِر. لا يحقُ لها مهما أتتها الفرص أن تخرج للعلن، ولا يحق لها أن تهتز حتّى، يجب أن تصمت بل أن تخرس سِرًا وعلانية، فالفرصة لا تعود، وإن عادتْ يجب أن تعطى لِمَن لم يجدوا فرصتهم، فلا حق للكلماتِ بالمطالبةِ بالفرصِ الثانية والعاشرة، وعلى النفس أن تتحملَ تداعيات كلماتها مهما كانت إن أرادت الكلماتُ الخروجَ فور نضوجها، وأن تتحملَ التبعات كائنًا ما ستكون، وإلا فالصمتُ سيدُ كلِّ المواقف، ومُوجِعُ كلِّ القلوب.

 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٥ ربيعُ الأولِ ١٤٣٨هِـ 

على الإنسان أن ينظرَ لحياتهِ ونفسهِ وسلوكهِ وأخلاقهِ وعملهْ نظرة الناقدِ، وليس بأي ناقد، بل الناقد اللاذع غيرُ المجاملِ، لأن ماعدا هذه النظرة لا تؤتي بنفعٍ على الإنسان، فنظرةُ الرأفةِ هي دلالٌ ونظرةُ العطفِ هي تكاسل.
وإنما على الناقد اللاذع أيضًا ألا يكونَ جحودًا للإيجابيات وناكرًا لما أحسنَ الإنسان، فهي نظرةُ اِتزانٍ قبل كل شيء، بل ونظرة حكمةٍ وبصيرة، لأن الذي فطرَ هذهِ النفس أعلم بمكنوناتها، وإنما هي أعظمُ ميادينِ الجهاد، وما العملُ والأخلاقُ والسلوك وحتى الحياة التي يحياها الإنسان إلا انعكاسٌ لمكنوناتها.
فهل ترانا أشدنا بها حين أحسنتْ، وحاسبناها حين أخطأت؟ أم نكرنا وجحدنا، وسوفّنا وفرطنا فيما أُؤتُمِنّا؟
ولعلَ الإنسانَ إذا أدركَ الأمانةَ التي حملها -الطاعة والتكليف والفرائض- راعى أمانةَ اللهِ للروحِ التي أمّنها له، وما نحن إلا كما قال: (وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا). 

 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٠ ربيعُ الأولِ ١٤٣٨هِـ 

وتوقفنا عند نقطةٍ…
لا لقاءَ بعدها… وليس لنا ببعضنا حاجةْ.
ومشى كُلٌّ إلى وجهتهِ…
ْيحمل في داخله تراكماتِ أحزانَهْ.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٧ ربيعُ الأولِ ١٤٣٨هِـ 

أحدٌ أحد... 
أشتكيكَ مني، من تقصيري ووجعي، من ألمي.
أشتكي إليك ما اقترفت يداي، وإنِّي في حاجتك وأنتَ الغنيُّ عن الحاجة، يا جبار اطوي الحزن هذا، والضعف هذا.
ياحقُ مَن غيرُكَ أطلبهُ… إني عن الحقِ في غَمام الحزن.
يا مَن بيدهِ ملكوتُ كل شيءٍ، ضعفي وحزني عليك هيّن.
يا ميسِّر كل عسير، يسّر مخرجي.
ياقويُّ اني بكاملِ ضعفي ارتجيكَ، والتجأ إليكَ.
اللهمَّ يا غني أفتقرُ لرحمتك ولعفوك وغفرانك فلا تحرمنيها يا رحمن يارحيم ياعفو ياغفور.
أتذللُ بين يديكَ وانتَ العزيز.
أرشدني ياحق… أرشدني ياحق يارشيد.

 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٩ ربيعُ الأولِ ١٤٣٨هِـ 

شريكي مُغمض العينينِ، النائمُ في كنفِ اللهِ:
اللهُ بصيرٌ سميعٌ عليمٌ بما يكنهُ القلبُ لكْ مِن ودٍّ وإحترامٍ وتقديرٍ لشخصك المُهذَّب، وجنبكَ اللين، وجناحكَ الخافض، لمضغةِ النورِ تلكَ التي في صدركْ، ولإنسانيتك قبل كُلِّ شيءٍ… إنتهاءً برجولتك.
اللهُ مَن زرعكَ في فؤادي نباتًا حسنًا، واللهُ لا يريدُ نزعك.
فاطمئِن... مازالَ في اللهِ أملٌ باللقاءِ قريب. 

مُحبتك، شريكتك.
 - خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١ ربيعُ الثاني ١٤٣٨هِـ 

لأولِ مرّةٍ في تاريخي أهربُ من الكتابة؛
لأني أشعر بعجزِ كلِّ مفرداتِ اللغة وكلِّ حروفِ الهجاء عن وصفِ وتجسيدِ ما أَلمَّ بي من ألمٍ بالغٍ، وحزنٍ يأكل جنبات الروح والنفس.
لأولِ مرّةٍ أشعر أن الكتابة لن تخفف من حِدة الشعور، وستجعل ذاكرتي أقوى، وغير ذات منفعة بتاتًا.
أولُ مرّةٍ أصدّقُ فيها يقيني بأني إني كتبتُ سأفضح، وأنا التي كنت -معتقدة- أتلاعب بقاموسِ مفرداتي العريضة وأختبئُ بين ترادفٍ وتضاد…
الحنينُ بلغَ مني مبلغهْ... والكتابة…
كيفَ تكون الكتابة لمن علمنا الكتابة؟
كيف تكون الكتابة لممتهن الكتابة؟
كيف أكتبُ والقارئُ بالأصل كاتب؟
فما يبقى إن كتبتُ وفُضحت؟
أفضيحةُ الكاتبِ عندَ جمهورِ القُراءِ كفضيحتهِ عند جمهور الكتّاب؟
ولا خيار لي سوى الكتابة، أو القبعُ في صمتي الحزين والوحيدِ أتآكل! 

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١١ جمادى الأولى ١٤٣٨هِـ 

كما جرت العادة…
تصيبني أزمةٌ فرط الكِتابة، في وقتٍ ما، وفي حالةِ ما... قُبيل النوم…
 مرحلةٌ أشبه بالتلف العصبي والإرهاق المفُرط، حين تذرف عيني دموعَ الإجهاد، ويفقد دماغي التركيز في توجيه أصابعي نحو الحروف؛ لتجسد الكلمات التي تسبح في فِكري كثقبٍ أسود تتدفق من خلالهِ بسرعةٍ لم يستطع الزمكان إستيعابها؛ لتشكلَ نصوصًا وإن لم تجاري أصابعي سرعتها، مانستها الذاكرة، تستنزف أعمق جراحي، وتسكب الزيتَ على ناري الموقدة، ولا أعلم حقيقةً لما يحدث بي، فقد أصبحُ كهشيمٍ تذروه الكلمات وتعصف به المفردات، كنزفٍ لجراحٍ ماعرفت الشفاء، ولم تسمع بالضماد ولم يخطر على بالها وجود البلسم.

نصوص حالة فرط الكتابةِ هذه ركيكة ومشتتة، أنا لا أعلم ما تحمل في طياتِ سطورها وتقارب كلماتها ونهج حروفها، أنا فقط أستسلم لها وأتركها تتدفق عبر أصابعي مُشكِّلَةً لوحة أراها بعيني ولا يدركها عقلي إلا إذا أستيقظ من إجهادها.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٢ جمادى الأولى ١٤٣٨هِـ 

أدركتُ أخيرًا كم أخاف... وهَشٌ هو خوفي كضعفي وكقلةِ حيلتي، وأن الأمور العِظام التي لطالما هربت منها لحقتني، وهواجسي ومخاوفني في كلِّ يومٍ كانت تتحضّر لمواجهتي... وأنا كُنت أختبئ في صدرهِ، وكان صدرهُ حصني، فما أن نزعني حتى واجهتني مَن تحضّرت للقائي، ولذا أقول "عَصَِفْت بي" مِن كلِّ حدبٍ حتى أصابتني/أصبتني.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٣ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

ليلة قصيّة قاسية لأنني أشعر أن في أكناف هذه الليلةِ شيءٌ ما، فالنوم بالعادة لا يهرب من عيني هباءً، ولا يساورني القلق عادةً، إني أشعر الليلةَ بتسلل روحي عبر الجدرانِ إلى الأغصان وإلى أجنحة البوم، ومن ثم إلى ذرات الهواء وصولًا للقمرِ عبر الأثير... أرّقني السُهاد، والسنمار يطلُّ من بعيد، والقلق والخوفُ دانيانِ منّي ونفسي تقاوم بحبل الوريد القريب.

أترى الكلمات تخفف سواد الهالات؟ وتمحو الكتابة أثر السهر والبهتان البادي على وجهي غدًا؟ إني في تساؤولٍ ما... أتوهُ بحثًا عن جوابٍ ليس سوى وهمٍ يشتغل بهِ العقل فالقلب، فيهوجس للروح حتى تبدو كجناح الطير مرتعشة.

لن تفهم شيئًا مِن المكتوب فلا تسألني ولا تدع الأسئلة طريقًا لفهمي، أدركتُ أخيرًا أنني الهواء حتمًا ولستُ كالهواء، وأنني البومةُ الحكيمةُ المنبوذةُ صاحبة نذير الشؤوم بالحزنِ البادي فيني برغم الأقنعة والوجه اللطيف وما إلى ذلك. 

أنا الأشياء التي أحب، ولستُ شبهًا لما أحب.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

بالرغمِّ من كلِّ لحظات السعادة التي أعيشها بكلِّ ما أعطاني الله من نَفَسٍ للحياة، وبالرغمِّ مِن حزني العارم الصارم، وظروف حياتي في الرخاءِ والشدّة، دائمًا ما أشعر بنقصٍ في قلبي، وزاويةٌ مِن الظلامِ تجتاحني، إنني بالفعل أشعر بالنقص دونك، وحاجتي الفعليّة لوجودك، وكل الفرص التي يأتي بها القدر باتت تأتي بسبب غيابك، ما تجرأ شيءٌ منها أن يطرق بابي حين كنت، وتلك التي كانت، كانت إمتحانات القدرِ فقط! لكنها إن كنت تعلم لم تعد تتجرأ أيضًا لأنك إختبأت خلف بحرك ذا الموج العاتي كما تختبئ الشمس حين تغرب أنت وهي، وأبقى أنا في مواجهة الموج والليل، لأنني القمر والسمر، ولأنني ماكنت يومًا لأكون شيئًا لك، ولا بأس في كل هذا مازال في روحي جنديٌّ يقاتل ويجابه من أجل الظفر بك، ولكن أتراك ترغب بالظفر بي حقًا؟ إن إجابة هذا السؤال هي من تتركني ناقصة في ظلِّ غيابك، وبالرغمِّ من كل الأوجاعِ والوحدة التي أشعر بها دونك مازلت بكلِّ مافيني أريدك، ولذلك أسدُّ كل الثقوب التي قد تهب بنسائم الفرح بي في ظل غياب، إنني حقًا لا أريد، لأنني أحبُّك... وحدكْ، إن لم تكن أنت فما مِن غيرك.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.
 ١٣ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

وإني لفقدتني منذُ أزلٍ ظننتهُ وما هو إلا حين، منذ آخر كِفاحٍ في الحياة، منذ أن أستسلمتُ مرَّةً وعادت الرياح تعصف بي لشراعاتي المتراخية، منذ أن نسيت معنى الهمّة والتوكل، والكِفاح... منذ آخر حوارٍ معي، منذ أن غيّرت عطري، منذ أن تعرفت على أصدقاءَ جُددٍ وتركت عزلتي، منذ أن نسيت أن أغيّر نوايا العادات، ومنذ آخر ورقة نقديّة أودعتها في كفِ محتاج، منذ أن أستطعمت الطمأنينة في آخر سجدة، منذ أن نسيت الترتيل ونسيت التجويد ونسيت الآيات التي حفظت، منذ آخر مرّة صليت فيها بتمعن وإتقان، منذ آخر مرّة تبّعت فيها بإصبعي الآيات، منذ أن ودّعت مسبحتي التي لا أعلم في يدِ مَن وقعت، منذ آخر طواف، وآخر رشفةِ زمزم... 
منذُ أزلٍ حسبتهُ وقد كان حين، فقدتني بسببك!
فوزري على حملك ثقيل، وما أثقل وزرك؟!

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٤ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

إني لأعتقد أن في مرحلةٍ ما... يصل الإنسان بوجعهِ للأمر ذاتهِ لا المسبب له، بمعنى... أن يتألم الفرد منّا بعد مضي وقتٍ كافي من الحب لا مِن الحبيب ذاته، من الصداقة لا مِن الصديق ذاته، وهكذا قياسًا على كل مسببات وجعنا الآدمي...

يتألم ويعاني ويستمر عذابهُ طويلًا أطول من الفترة التي يبقى ناقمًا فيها على المُسبب للأمر، وإنني بعد لم أجد جوابًا لسؤالي "لم؟"

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٩ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

إنساني يتسائل، ويقرُّ ويعترف، والإعتراف سيد الأدلّة... وإني قد لقيت ما لقيت من أمرِّ الهوى، ويقولُ وأقول... أما وجدتَ بي حسنة تشفع؟!
وترحمني بها من وهن البعد وعجز الصبر وقلة الحيلة؟

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢٠ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

إني لأجهل توجهي إليكَ بالكتابة هذه الليلة، لكن سؤالًا عنك قد أثار حفيظتي، حتى عادت المياه تغزو العينين ثانيةً.
هذهِ المرّة ياشريكي -إن مازلت شريكي حقًا- القلب يحتضنك بشكلٍ مختلفٍ عن العادة، والنفسُ قد رُوِّضت بما فيه الكفاية حتى أنها صالت وجالت ترددًا وحيرة فيما إن كان يجوز لي الكتابة لك أم لا، ولم تكن كلمتي تكفيني، ولم تكن لتكفي فيض الإشتياق العارم لصوتك الحاني وبسمتك الباهية وحضنك الآمِن، وإني لأفتقدُ في نفسي نفسي ونفسك، ونفسي مع نفسك، ونفسي بنفسك، وإني لأفتقدُ حظًا من الحياةِ وتوفيقًا من الله في غيابك، أنا ياشريكي...

"ما زلت آمل في لقاءك مرّةً...
ولأرجونّك بعدها تبقى معي
واللهِ لو بالبعدِ تنوي مصرعي...
زدني إبتعادًا لن أفارق موضعي!"* 

- خَدِيْجَه سِنْدِي.


*قصيدة زدني ابتعادًا - ماجد مقبل.

 ٢٧ جمادى الآخرة ١٤٣٨هِـ 

في السيرة النبويّة الجليّة تطبيب ودواء وبلسم للنفس البشريّة التي تعاني ماتعانيه من مدخلات مستحدثة، وأمورٍ قد تجعل في النفسِ بعضًا من العِلل، فإني قد وجدتُ في أدب النبوة الأنثوي -إن صح لي بتسميتهِ هكذا- ما يسد من ثغراتي النفسيّة ما اللهُ بهِ عليم، وإني لمحبّة لهذا الجانب لمِا ألتمس فيهِ من ودٍ وصفوٍ ورفقٍ ولين لم ألمسهُ إلا في رحمة الرحمن معنا نحنُ عبادهِ، ولعلّ هذهِ الرحمة التي تتلامسها شِغافي ماهي إلا جزء من رحمتهِ العظيمة الواسعة لكل شيء، هذا وإني لأحمد الله دومًا الذي جعل تكويني الأنثوي يلاحظ هذهِ التفاصيل الصغيرة التي لا تغيب عنهُ سبحانهُ فأورثني مايجعلني أثمّن هذهِ النِعم وأدرك قيمتها حقًا، بالإضافة لجلّ الظروف التي أختارها الله لي وأخترتها بعد حِكمتهِ التي أضفت على تكويني شيئًا من الحكمة والتُقى في سِنِّي المُبَكِّرة هذه. وإني لدومًا أطلبها... أن يجعلني مِن الهيّنِ اللين، لما للين والرِفقٍ من ثمارٍ ما ننالها بالتعسيرِ والقسوة.
فالحمدللهُ الذي يهدينا اللين، باللين…

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١ رجب ١٤٣٨هِـ 

العقدةُ التي تعصر قلبي في بطنها أيّان ستحلُ يا الله؟
شكوآي إليكَ ماعدتُ أحصُرها... ذنبي وحيدٌ أتراهُ يا الله؟
ما هذا الذنبُ الذي يمنعني منك وحال بيني وبينك دون الرجوعَ إليك؟
ما عُدتُ أقوى بُعدك يا الله...

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٦ رجب ١٤٣٨هِـ 

قبس عينيك كنتُ أسطّر بهِ أبهى لوحاتِ كتاباتي...
وكان محرابًا لصلوات كلماتي، وأنينًا لوجعي ومتنفسًا من ضيق رئاتي...
ماكانت الكتابة يومًا رئتي الثالثة...

ولكنك أنتَ كنت الأثير الذي أتنفس في مداه عبقي الزاهي.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٧ رجب ١٤٣٨هِـ 

هذا الصباح أبدو مرهفة الحس كما لم أكن منذ مدّة، أذكر تمامًا آخر مرّةٍ كنت فيها بهذهِ الشاعرية حين كتبتُ لهُ "في السادسةِ صباحًا"، إن الحبّ الذي يلامنسي من خلال قصائد الشُّعار أو لوحات الرسامين يؤلمني بضعًا، ويؤولني للتفكير بعضًا في الحب النبوي والحب في زمن الصحابةِ والتابعين.
وأذكرُ أني قُبيل أيامٍ قد كتبتُ ماتبادر لذهني حين رأيتُ مخطوطةً لشطرٍ من أبياتِ الشافعي رحمهُ الله يقولُ فيهِ "في القلبِ صبرٌ للحبيبِ ولو جفا" وإنما هو الجفاءُ ذاتهُ الذي يؤلمني، إذا ما ذُكر طيف الحبِ في الموسيقى أو الكِتابةِ أو الفن، وإنّ فؤادي يتسائل عن السماحةِ في الحبِّ والوصل والرضى والعطاء، وما أراهُ من جفاءٍ وسخطٍ وشحٍ فيهِ الآنَ، وتدفعني أمواج تساؤولاتي لموجِ أسفل موجِ من فوقهِ سحابٌ ماطرٌ بالحبِّ الذي يرقّ لهُ القلب وتدمع له العين، وتحنّ لهُ النفس وتخالِلُـهُ الروح فما أجدهُ في الأعماق التي أختبئ بها، وآمل أن يجدني هو فيها، في أعمق بحرهِ الذي هجرني فيهِ أبحثُ عن ضالتي في ثناياه التي نسيها كما نساني، وإني لداعيةً الله من بطن بحرهِ كما دُعيّ مِن بطن حوتهِ أن أكون خديجةً بإكتمالي...

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٨ رجب ١٤٣٨هِـ 

هداني الله لأن أدعوه بِـ"اللهم أجعلني من الهيّن الليّن" وهذهِ دعوةٌ أقصد بها تعاملي مع الخلق من عبادهِ واماتهِ وأحبابه -الأطفال-، ومقصدي الأول منها أن يكون لقائي بهِ وحسابي هينًا لينًا، لأن المحبّ إذا ما قابل الحبيب عزّ عليهِ إن لم يكن هينًا لينًا معه…
وهذهِ أخرى وجدتها من تأملٍ فيما قد قيل للنبي الكريم -صلوات ربِّ وسلامه عليه- على لسان أبو سفيان بن حرب -رضوان الله عليه- يقول: ما أكرمك وما أبرّك وما أرحمك

فاللهم اجعلنا من المكرَمين المكرِمين والباريّن المبروريّن والمرحَومين الراحمين... آمين.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٣ رجب ١٤٣٨هِـ 


يتصرف الإنسانُ أحيانًا بمنتهى/ بمنطلق العفويّة، ولربما لا يشعر بما يؤوله إليه هذا التفريط أو عدم التقنين.
وقد يدرك وقد لا يدرك نتائج التصرفّات الناجمة من عفويتهِ المطلقة، من خلال تصرفاتٍ بسيطةٍ يلحظها على بعضٍ من الأشخاص، فينظر لها بإنصاف وإمحاصٍ ليرى حقيقة المشكلة وحلها ونتائجها ثم يسقطها على أفعالهِ مع الأخذ بالمبررات وعدم تبرئة النفس ومحاولة تغليبها عن طريق العاطفة.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٤ رجب ١٤٣٨هِـ 

إذا أتخذنا حديث -الرسول صلى الله عليه وسلم- "إنما العلم بالتعلّمِِ" منهجًا، أترانا على ماذا نطبقّهُ أولًا؟
وقد شرعتُ في التفكير والبحث عن إجابةٍ لهذا السؤالِ، وما وجدت أفضل من الصبر؛ فهو الأساس المتين الذي يستند عليه الحديث، فكيف سنتعلم حتى نعلم دونما صبر؟ وقياسًا على هذا الكثير من الأمور، إن لم تكن جميع الأمور!
هذا بالإضافةِ لثواب الصبر الرباني، وثمارهِ على الشخصيّة التي لا يجتمع الصبر فيها مع لجاحةٍ وغلواءٍ وهياج،... وغيره من الميادين غير المحصورة.
فإن كان الصبر مفتاح الفرج عند الأوليّن، فإنما هو مفتاح الحياة عندنا -في عصرنا-.

*اللهمَّ طولُ الأناة، لذوي الأناة/ الأنوات.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٠ شعبان ١٤٣٨هِـ 

إنما أمثالنا يا صاحبي ضمائرهم كالجلّاد عليهم، لا يجدون في حياتهم راحةً إذ لم يرضوا قيمهم ومبادئهم، إن لم ينجحوا ويفعلوا كل شيءٍ كما رغبوا، بالإهتمام بأدق التفاصيل، والنظر لأتفه أسباب الفشل وجعلها أهم أسباب النجاح.
إن أمثالنا يا صاحبي تنام أعينهم وقلوبهم يقظة، تجلدها النفس بسوط التقصير وتأنيب الضمير، وتمرر عليها أسياخًا من حممٍ بركانية بدواعي كيف؟ ولماذا؟ وقد كنتَ تستطيع ولم تفعل.
إنما نحن ياصاحبي نفوسٌ هشّة... لو نطقت بما تشعر حقًا لتهاوت حصوات جبالها بالسقوط تبعًا كسيلٍ عرم دونما توقف، وقلوبٌ متقرحة من الجلد والعتب ولوم الذات المستمر، ولولا لطف الله ورحمتهِ لما سَلِمت جلودنا منا، وإنّا لا يحول بيننا وبينها إلا خوفٌ من كلمةٍ تتبعها فيما فعلت؟ وإن لتلك وحدها تهزّ الثوابت، وتتساقط أمهامها الرواسخ، وتتوه في مواجهاتها الكلمات والحقائق.

*إنّا يا صاحبي أولئك الصنف من البشر الذين لا يسمحون لأنفسهم بأن يخطئوا بعد هذا العمر، وإلا ما من مهربٍ من سوطٍ حاضر، وسيخٍ حامٍ. 

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢٠ شعبان ١٤٣٨هِـ 

وأدخل في حالةٍ لعل اسمها جنون الإرتياب من توجسي لجسّ نبضك دون أن أفلح، فأحتار مابين الكثير من المشاعر المطروحة أمامي على منضدة الألم، وقلبي الأحمق يقرر أن يلتقطها جميعًا وكأنه ذو سعة! ويتكابد مشاق التحمل لجهلي بحالتك! ولقد علمت أن هذه الحالة لن تفارقني مالم أجتمع بك، وأرى انفعالاتك أمامي تجسدها النظرات وتفاوت درجات لون البشرة من الإحمرار للإصفرار، والصمت المطبق، أو ربما الهجران، أعرف الأخيرة جيدًا فأنا أعيشها بإستمرار.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢١ شعبان ١٤٣٨هِـ 

في اِعتقادي الشخصي- وأنا المتحيّزة دائمًا لعروبتي- إن من أكبر الأخطاء التي نرتكبها هي تلك التي لا ننتبه لها أبدًا، ولربما لم نلق لها بالًا حتى نتفاخر بلغاتنا الأجنبية التي نتقنها، حيثُ أنّا لا نحدّث الأجنبي بلغتنا في بلدنا، بل باللغة الوسيط -كالإنگليزية- أو بلغته كما يفعل والدي مثلًا، وإني لأرى أن تلك معضلة كبرى في وجه العامل فهو لا يتقن العربية بشكلٍ صحيح بالرغم من السنوات الطوال التي يقضيها في أحضان عروبتنا المزيّفة -مع الأسف-، ولا أرد على أولئك الذين يشفقون عليهم بحججٍ كما يقول المثل "أقبح من ذنب"، إلا كما قال المُنصص السابق! إنما هذهِ أرضي، ولغتي، إن شئت سأكلمك بلغتي التي أتحدثها، فإن لم يعجبك ففي بلدك مستقرٌ وخير، والرزق في كل مكان.
وهذهِ لإحدى الطرق والوسائل التي عززناها لنُميت هذه اللغة العظيمة "العربية"، كي نحتفل بها فقط في السادس عشر من ديسمبر الميلادي! وإنها لباقية برغم أنوفنا بمعجزة سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم، القران.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٣٠ شعبان ١٤٣٨هِـ 

ظننت كثيرًا أنني لن أحيا حتى هذا الوقت، شعرت بالموت قريبًا مني لحظاتٍ كثيرة، هدتني الحياة بثقل ظروفها على أكتافي، اِستويت رمادًا وسرعان ما شيدتني من فولاذ، أندهش من صلابتي خارجًا وأدرك ضعفي ما إن تجاوزت الأبواب... فداخلي كما هو رماد! 

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١١ رمضان ١٤٣٨هِـ 

بُعِثَ الرزق فيما لا تتخيله قبل الذي تتخيله، فبعضٌ من ذلك في وجه من تحب، وبضعٌ في ثناياك العابرة من خلالك دون أن تشعر، ونيفٌ في معيشتك، وأخرى في أحوالك والمجريات التي تحصل عليك، وشيءٌ في مُحيّاك، وكثيرٌ مما لم تدركه أو تعي له، فالحمدُ للرزاق الرازق مَن يشاءُ من عبادهِ وإماته. 

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٢ رمضان ١٤٣٨هِـ 

إن المسألة ليست في العاطفة أو العقل، ولا في فحوى النص بقدر ماهي عملية بحثٍ واطلاعٍ وتحرّي واِنتقاءٍ للأفضل، واختبارٌ للمفرداتِ وقدرة الكاتب على ملامسة خفايا القارئ والتأثير فيه بالإعجابِ أو الحفظ والتكرار والتذكّر، إنما هي عملية ترك الأثر التي تجعل نصًا ما يتميّز عن غيره بكونهِ قابلًا للتداول.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٧ رمضان ١٤٣٨هِـ 

حين ينجلي الغشاء عن القلب فينقلب حال الأشخاص وتتغيّر منازلهم من منزلةٍ لمنزلة، لا يعود حتى المزاح يجدي دونما انتباه وحساب، وتسقط العفوية كما تسقط الثقة، والإرتياح الذي كان يخيّم على علاقةٍ ما دون غيرها، فيعود بك الحال لتعامل العوام وتصرفات العموم، يكفيك مايظهر، وتترك الباطن لعلّام الغيوب دون إكتراثٍ بما تكنّه قلوبهم، وإنما كل ذلك إرادة الله ومشيئته.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢٠ رمضان ١٤٣٨هِـ 

إنما على الإنسان أن يكون أرقى دائمًا ما أستطاع، وأن يجعل رقيّهُ هذا في شتى مايستطيع، فالإنسان وإن لم يبلغ الكمال فإنهُ قادرٌ على بلوغ الإكتمال، وإن ذلك لطريق شاق لا يقل عن رغبته في الكمالية التي لن ينالها، وما وضع الدين وما أُرسل نبينا الكريم إلا متممًا للخلق النبيل، ولا يقتصر الدين على شيءٍ دون شيءٍ فمن مميزاتهِ أنه جامع وشامل وصالح لكل حين، فبعد وصولنا لهذا التمدّن وهذا التطوّر، وما وصلنا إليه من رفاهيةٍ في المعيشة ماعاشها الملوك الأسبقون، الأجدر بأن نكون متمكنين من التحكم بنفوسنا، وترويض مانشعر بهِ، ونتحلى برفيع الخُلق، وماعلينا فعله حقًا هو التسخير، تسخير هذا التمدّن، وتسخير هذا التطور لرقي الإنسان في جوانبهِ كافة، حتى تلك الدفينة والتي لا يطلع عليها سواه بعد بارئه، وإنا في ختام ذلك لنسأل الله البصيرة حتى نتفكّرَ فنرتقي.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٦ شوّال ١٤٣٨هِـ 

التنهيد عند أمثالنا… الصبورون على الحياة بمثابة "طفح الكيل"، أو شكوة دموع للوسادة، أو حين تتمدد كلماتنا لتسطّر مايجعل الأمر يتبدد!

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٢٥ شوّال ١٤٣٨هِـ 

بعد قراءة نصٍ جلّ فحواهُ البؤسُ ياحبيبي، لربما أغلقتُ كفتيّه بتنهيدةٍ لو بُحتُ بها لانهدّت الجدارنُ التي تطوقني في عزلتي القابعة تحت السماوات المرتعشاتُ كرعشةِ قلبي حين بُحتَ لي سِترًا عمّا يدور في ثناياكَ الغامضة التي تشبهُ كِلانا في الصمت والتي بالرغم من كل ذلك جعلتك، بل جعلت كِلانا يشعرُ بالحبّ العظيم المستتر بالكثير مِن المشكلات المتطايراتِ في الأجواءِ والتي تقتنصها أنجُمنا كصائدةِ أحلامٍ أو مصيدة بعوض، هه! مقزز.
على كلٍّ أحب الغموض الذي تعتليه حياتك في تفاصيلها ومجملها، وبالأكثر ذلك الغموض حول كل شيء أعرفه كوضوح النجوم بجانب القمر كلما تنازل عن كبريائه وسمح للصغيرات بأن يلمع نجمهنّ، غموضك الذي يجعلك باهي الطلّةِ في إحتفالاتِ النبلاء الملوثةِ دمائهم بالقذارة إحتفاءً بذواتهم التي دخلت التاريخ من أطهر أبوابهِ مرتدين عباءات الطُهارة المتداعية خلف نساءٍ فقدنّ عذريتهن الشعرية من أجل إلهامهم، الإلهام ذاته الذي أخرج هذا النص عن فحواه، والذي سببته تنهيدة يائسة من كل شيء إلا منك.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٨ ذو القعدة ١٤٣٨هِـ 

معرفتك ضرورية حتمية، بل وأصبحت ضرورة مستهلكة ترددها كلمات الكتب السطحية -من وجهة نظري-، ويبتدع الناس أقوالًا لإظهار معرفتهم بنفوسهم ومكنوناتها، وفي حقيقة الأمر هم لم يتعرفوا ويعرفوا سِوى قشورهم.
قليلٌ
هم الذين يعرفون طِباعك -لم يحفظوها-، لسببٍ ليس الحب!
وكثير من تدارسوها بدواعي التصيّد والإنتقام!

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ٥ ذو الحجّة ١٤٣٨هِـ 

لا تستهلك مشاعر الآخرين أبدًا…
مهما ظننت أن الصبور صبور، والحليم حليم، والمحب محب، فكل مشاعر الإنسان قابلة للاستنزاف وإعادة التعبئة، والحقيقة أن هناك من يستنرف مشاعرنا دون أن يكون قادرًا على ملئها مجددًا، وهذه الحقيقة تسري علينا نحن أيضًا فلربما نستنزف مشاعر الغير دون القدرة على ملئها… وهكذا. وقد نكون أو يكونوا قادرين على إعادة تعبئتها دومًا ولكنهم بملئ حرية الاختيار يختاروا دومًا مَن يستنزفهم إياها، وفي ذلك نحن سواء أيضًا.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٢ ذو الحجّة ١٤٣٨هِـ 

عندما يقع الألم في قلبٍ بث الله فيه هدايته، إنما يصبح أرق، ورقة القلب يابني لا تعني أن ترأف أو تشفق بحال الآخرين فيما بعد، بل أن تداري أعمالك حتى لا تؤولَ إلى أمرٍ يستوجب الشفقةَ أو الرحمة، أي أن تحرصَ على كل قولٍ وعملٍ صادرٍ منك حتى ينتهي لأمرٍ يسرُّ صاحبه، كما تفخر بهِ بينك وبين نفسك، وستجد الله سبحانه وتعالى قد بارك في لسانك الذي تنطق بهِ، وهمتك التي تعمل بها، وتكون بذلك قد ترفّعت من منزلةٍ في الإنسانية إلى منزلة، أي نلتَ حرزًا من رحمة اللهِ التي أنزلها في الأرض. وستدرك بمقدارِ ألمك الرحمة التي بثها اللهُ في قلبك، فلا تجزع كلما زاد الألم، وأحرص أن تجد في جنباتِ قلبك هداية الله، فتجعل ألمك يتنزّل بموضع الهداية، وسترى السحر الرباني في تقليب الألم لأملٍ تبعثهُ، ومعجزةً في سمٍ تجرعتهُ، عَسلًا تُريق بهِ كل هزيلٍ ومحتاج، ومن هداية الله هذه الموضوعةُ في فؤادك ستلتمس عجائبًا قلما تجدها كلما امتد الأمد… فأحرص على طلبها، وأحرص أن يقطر كل وجعٍ عليها فتغدو في معيشةٍ يحبها الله، يرضى بها عن عملك وقولك.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

 ١٨ ذو الحجّة ١٤٣٨هِـ 

إني لأجد أعظم مهام الكِتابة أن تتنزل كلماتها إذا ماصادف المحب مايختبر صبره وإيمانه، وحين تجري عليه أقدار الله التي يجزع منها وتمتحن ثباته، فتكون الكلمات مبعثرةً أي نعم، فالمرء بين قلقٍ يصيبه وخوفٍ يخشاه، وصبرٍ يستعين بهِ، فما رأيت ذلك إلا من رحمة الله، أن يجعل لك من يكتب إليك ليطمئنك، ويزيد رواسخك ثباتًا، ويتشارك معك همّك فتدرك أنك لست بوحدك من قبل… فالله معك، ومن بعد… فالمحب بقربك، يكتب لك حتى تنجلي غيومك ويعود الصفو حالًا لحياتك.

  • كان الرافعي يعتب على حبيبته إذا أمسكت عنه قلمها كلما أشتدت عليها الظروف، ويرى نفسه ملزمًا بالكتابةِ إليها أكثر من ذي قبل.
    وإني
    لأرى ذلك من عِرفان المحبة أن يُلزِم المحب نفسه بحبيبهِ في الشدةِ أكثر مايلزم ويبادر في الصفو والرخاء.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.

- تمّت -