"أورويل" الحي.


"صحيح أن القطيع يتكون من الأفراد إلا أنهم ليسوا بواعين فيه لأنفسهم."
- نيتشيه.

تراك قرأت/ ستقرأ روايةكتبت منذ الحرب العالمية الثانية، ولازلت تشعر وكأنها كتبت اليوم لا البارحة؛ لتكشف لك شخصية الصحفي الفذ -أورويل- الذي استطاع من خلال قلمه استشراق المستقبل ووصفه بالدقة المتناهية تلك.

فبعد مضي أكثر من ٧٠ عامًا على روايتهِ (مزرعة الحيوان) أُجزم بأن الفكرة التي تبادرت/ ستتبادر لذهن كل قُرَّاء الرواية هي ذات الفكرة التي تتبادر لأذهاننا إزاء الأوضاع الآنية، فنطرح تساؤلاتٍ مهما تعددت تصب في استهجان التغيِّر الذي اعتقدنا حدوثه من الزمن الذي كتبت به الرواية وحتى الآن، ناهيك عن تساؤلك عن حقيقة موت أورويل!

ليعي القارئ  فورًا أن القطيه ليس حكرًا على "جمهورية الحيوان" بـ"مزرعة القصر" فحسب، بل فكرة ممنهجة مازالت قيد الاستخدام دون إعلان انتهاء صلاحيتها. وهذا ديدن "أورويل" كما في روايته "١٩٨٤"، كشف الحقائق.
حيث أعود لأقتبس من نيتشيه: "هنالك داخل كل قطيع قوة لا تقاوم، تجهد من أجهل التجانس"، فنستعجب من قدرة الحيوانات على التجانس برغم اختلافاتها المتعددة، وكيف صاغ الكاتب شخصياته بعناية معتمدًا على كل فكرة رائجة عن حيوان كسمة أساسية له، فنراها متجسدة فيها منسجمين معهم حيث قوة الحصان، وصمت الحمار.
في حين وددت لو يذكرنا أورويل بين الفينة والأخرى بجنس الحيوان سابقًا أو لاحقًا لاسمه. 

وتستمر عبقريته في التكشف بجعل الشخصيات عالقة في أذهاننا برغم ماذكرت أنفًا، إذ أستعان بأسماء شخصيات بارزة متوافقة مع حقب التاريخ كـ"نابليون" مثلًا. ومجسدًا على لسان "الغراب موسى" صنفًا من شخصيات نوعية حتمًا تتواجد في كل مجتمع. ليقودنا بصحبة شخوص الحيوانات النامية بشوقٍ متسابق لمعرفة النهاية!، بجعله خاتمة الرواية "المثالية" ليست بمعرفة آخر حدثٍ فحسب بل بالتسلسل المتروي المُجيب على كافة الاستفهامات دون الإخلال بالسرد المستنبط من مزيج الواقع بالخيال والتاريخ.

يعلمنا "أورويل" ببراعة لغة الصحافة البسيطة الممزوجة بحلة الأدب كيف نكتب ضد التيار على لسان الحيوان، ويمثل بها ذكائه فلا يترك أي تأويل لمقاصدهِ ولا بابًا يُحرِّف فيه "الحثالة" أفكاره، -كما قام قام خنزيرنا الشهير-.
ليصيب حجرهُ -أورويل- عصفورًا آخر يمثل أهمية العلم والوعي والشجاعة في أي حراك بجانب التماسك، فأتخيل جميع الحيوانات على نفس الدرجة العالية من الثلاث المذكورة سابقًا، وأتخيل ثورة ثانية -حيوانية- على "نابليون" الذي بنى على شجاعة الأبطال مجدًا من الظلم والإستبداد.

- خَدِيْجَه سِنْدِي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق